Friday, October 11, 2013

طبقات الشافعية - طبقة أصحاب الأصحاب

طبقة أصحاب الأصحاب : وسأقتصر فيها على أشهر الأعلام .

1- عثمان بن سعيد بن بشار البغدادي ، أبو القاسم الأنماطي الأحول .
الامام العلامة شيخ الشافعية .

أخذ الفقه عن الربيع والمزني .
وعليه تفقه أبو العباس بن سريج، وغيره.

قال الخطيب : "أبو القاسم الأحول الأنماطى : كان أحد الفقهاء على مذهب الشافعى وحدث عن المزنى والربيع".

روى عنه أبو بكر الشافعي ، وَرُوي أن ابن المنادي قال : "كان للناس فيه منفعة " .

قال السبكي : "هو الذى اشتهرت به كتب الشافعى ببغداد ، وعليه تفقه شيخ المذهب أبو العباس بن سريج " .

ومات ببغداد في سنة ثمان وثمانين ومائتين، وكان هو السبب في نشاط الناس ببغداد لِكَتْبِ فقه الشافعي ولحفظه.

طبقات الفقهاء للشيرازي104 ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/301، طبقات الشافعية لابن كثير 1/176 طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/80 ، تاريخ بغداد: 11 / 292 - 293، وفيات الاعيان: 3 / 241 ، السير 13/430

2- زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر ، أبو يحيى الساجي البصري الحافظ .
الامام الثبت الحافظ، محدث البصرة ، وشيخها ، ومفتيها .
أخذ عن الربيع والمزني .

قال الذهبي: " كان من الثقات الأئمة ، له كتاب جليل فى العلل ، يدل على تبحره وحفظه " .

قال السبكي :" وله كتاب "اختلاف الفقهاء" وكتاب "اختلاف الحديث" وأظنه الذى سماه الذهبى بالعلل .

وله مصنف فى الفقه والخلافيات سماه "أصول الفقه" استوعب فيه أبواب الفقه ، وذكر أنه اختصره من كتابه الكبير فى الخلافيات .
مات بالبصرة سنة سبع وثلاثمائة .

طبقات الفقهاء للشيرازي 104 ، طبقات الشافعية الكبرى 3/299، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/94 ، تذكرة الحفاظ: 2 / 710 ، السير 14/197

3- عبد الملك بن محمد بن عدي الجُرْجَانيّ ، أبو نعيم الإسْتِراباذِي .
الامام الحافظ الكبير الثقة

صاحب الربيع بن سليمان .
ولد سنة 242

قال الحاكم : " كان من أئمة المسلمين ، ورد نيسابور وهو متوجه إلى بخارى ، فروى عنه الحفاظ ، وسمعت الأستاذ أبا الوليد حسان بن محمد يقول : لم يكن فى عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقاويل الصحابة بخراسان من أبى نعيم الجرجانى ، ولا بالعراق من أبى بكر بن زياد النيسابورى ؛ قال : وسمعت أبا علي الحافظ يقول : كان أبو نعيم الجرجاني أحد الأئمة ، ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثله ، أو أفضل منه ، كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كما نحفظ نحن المسانيد " .

وقال أبو سعد الإدريسي : "ما أعلم نشأ بإستراباذ مثله فى حفظه وعلمه " .

وقال الخطيب : "كان أحد الأئمة ، ومن الحفاظ لشرائع الدين ، مع صدق وورع وتيقظ " .

وقال حمزة السهمى : "كان مقدما فى الفقه والحديث ، وكانت الرحلة إليه فى أيامه " .

توفي أبو نعيم الجرجاني سنة 323 ،وقال الحاكم سنة اثنتين وعشرين

طبقات الفقهاء للشيرازي 104، طبقات الشافعية الكبرى 3/335، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/112
تاريخ جرجان: 235 ، تاريخ بغداد 10/428 ، السير 14/541 ، تذكرة الحفاظ: 3 / 816.

4- محمد بن أحمد بن نصر أبو جعفر الترمذي، الشيخ الامام
شيخ الشافعية بالعراق قبل ابن سريج ، كان إماما زاهدا ورعا قانعا باليسير .

سكن بغداد ، ولم يكن للشافعي في وقته بالعراق أرأس ولا أورع ولا أكثر تقللاً منه.

قال الدارقطنى ثقة مأمون ناسك .

ذكر أبو إسحاق الزجاج النحوي أنه كان يجري عليه في كل شهر أربعة دراهم وكان لا يسأل أحداً شيئاً.

قال السبكي : "له فى المقالات كتاب سماه كتاب "اختلاف أهل الصلاة " فى الأصول وقف عليه ابن الصلاح وانتقى منه ".

ولد في ذي الحجة من سنة مائتين ، ومات في المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين.

وقال أبو جعفر: " تفقهت لأبي حنفية ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي ، وأنا في مسجد مدينة النبي صلى الله عليه وسلم عام حججت، فقلت: يا رسول الله، قد تفقهت بقول أبي حنيفة أفآخذ به؟ فقال: لا، فقلت: آخذ بقول مالك ابن أنس؟ فقال: خذ منه ما وافق سنتي، قلت: فآخذ بقول الشافعي؟ قال: ما هو له بقول إلا أنه أخذ بسنتي ورد على من خالفها".

طبقات الفقهاء للشيرازي 105 ، طبقات الشافعية الكبرى 2/187 ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/82 ، تاريخ بغداد 1/365، وفيات الأعيان 4/195 ، السير 13/545 .

5- محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة أبو بكر السلمي: - مولى لهم - من أهل نيسابور.
الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الاسلام، إمام الائمة ، صاحب التصانيف .
مجتهد مطلق.
قال السبكي : " المجتهد المطلق ، البحر العجاج ، والحبر الذى لا يخاير فى الحجى ، ولا يُناظر فى الحجاج ؛ جمع أشتات العلوم ، وارتفع مقداره فتقاصرت عنه طوالع النجوم ؛ وأقام بمدينة نيسابور إمامها حيث الضراغم مزدحمة ، وفردها الذى رفع العلم بين الأفراد علمه ؛ والوفود تفد على ربعه لا يتجنبه منهم إلا الأشقى ، والفتاوى تحمل عنه برا وبحرا وتشق الأرض شقا ؛ وعلومه تسير فتهدى فى كل سوداء مدلهمة ، وتمضى علما تأتم الهداة به وكيف لا وهو إمام الأئمة .
كالبحر يقذف للقريب جواهرا *** كرما ويبعث للغريب سحائبا " .

ولد في صفر سنة 223 .
وعني في حداثته بالحديث والفقه، حتى صار يُضرب به المثل في سعة العلم والاتقان.
.
وقال الربيع بن سليمان : "استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا" .

قال: "حضرت المزني ، وسأله سائل من العراقيين عن شبه العمد ، فذكر المزني الخبر الذي رواه الشافعي : "إلا أن قتيل الخطأ شبه العمد" قال له السائل: تحتج بعلي بن زيد بن جدعان؟
فسكت المزني.
فقلت للرجل: قد روى الخبر غير علي بن زيد.
فقال: من رواه؟
قلت: أيوب السختياني وخالد الحذاء.
فقال: ومن عقبة بن أوس الذي يرويه عن عبد الله بن عمر؟
فقلت: عقبة رجل من أهل البصرة ، وقد روى عنه محمد بن سيرين في جلالته.
فقال الرجل للمزني: أنت تناظر أو هذا؟
فقال: إذا جاء الحديث فهو يناظر ، لأنه أعلم بالحديث مني، وأنا أتكلم ".

وحكى عنه أبو بكر النقاش أنه قال: "ما قلدت أحداً في مسالة منذ بلغت ست عشرة سنة".
وقال أبو بكر الصدفي: "أبو بكر ابن خزيمة يستخرج النكت والمعاني من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمناقيش" .

قيل لابن خزيمة يوما : "من أين أوتيت العلم ؟
فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ماء زمزم لما شرب له ) ، وإنى لما شربت ماء زمزم سألت الله علما نافعا " .

وقيل له يوما : لو قطعت لنفسك ثيابا تتجمل بها ، فقال : "ما أذكر نفسى قط ولى أكثر من قميصين " .
قال أبو أحمد الدارمى : "وكان له قميص يلبسه ، وقميص عند الخياط ، فإذا نزع الذى يلبسه ووهبه ، غدوا إلى الخياط وجاؤا بالقميص الآخر" .
وقيل له يوما : " لو حلقت شعرك فى الحمام ، فقال : "لم يثبت عندى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حماما قط ، ولا حلق شعره ، إنما تأخذ شعرى جارية لى بالمقراض " .

وقال أبو أحمد الدارمى : "سمعت ابن خزيمة يقول : ما حللت سراويلى على حرام قط" .

وقال أبو بكر بن بالويه سمعت ابن خزيمة يقول : "كنت عند الأمير إسماعيل بن أحمد فحدث عن أبيه بحديث وهم فى إسناده ، فرددته عليه ، فلما خرجت من عنده قال أبو ذر القاضى : قد كنا نعرف أن هذا الحديث خطأ منذ عشرين سنة ، فلم يقدر واحد منا أن يرده عليه ، فقلت له : لا يحل لي أن أسمع حديثا لرسول الله فيه خطأ أو تحريف فلا أرد " .

قال الحاكم سمعت أبا عمرو بن إسماعيل يقول : "كنت فى مجلس ابن خزيمة فاستمدنى مدة ، فناولته بيسارى ، إذ كانت يمينى قد اسودت من الكتابة ، فلم يأخذ القلم ، وأمسك ، فقال لي بعض أصحابه : لو ناولت الشيخ بيمينك ، فأخذت القلم بيمينى فناولته فأخذ منى " .

وقال أبو أحمد الدارمى : "سمعت ابن خزيمة يحكى عن على بن خشرم عن إسحاق أنه قال: أحفظ سبعين ألف حديث " .

مات سنة 312 .

طبقات الفقهاء 105، طبقات الشافعية الكبرى 3/109، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/99 ، ترايخ جرجان 413 ، تذكرة الحفاظ 2/720 ، السير 14/365 .

6- محمد بن نصر ابن الحجاج المَرْْوَزي أبو عبد الله ، الإمام الكبير .

شيخ الاسلام ، أحد أعلام الأمة ، وعقلائها ، وعبادها .
تفقه على أصحاب الشافعى
مجتهد مطلق
ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور ، واستوطن سمرقند؛

وكان مولده في سنة 202، ومات سنة 294.

قال الحاكم : "هو الفقيه العابد العالم ، إمام أهل الحديث فى عصره بلا مدافعة " .

وقال الخطيب : "كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ، ومن بَعْدَهُم فى الأحكام " .

وقال ابن حزم فى بعض تآليفه : "أعلمُ الناس : من كان أجمعهم للسنن ، وأضبطهم لها ، وأذكرهم لمعانيها ، وأدراهم بصحتها ، وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه ، وما نعلم هذه الصفة بعد الصحابة أتم منها فى محمد بن نصر المروزي ،فلو قال قائل : ليس لرسول الله حديث ، ولا لأصحابه ، إلا وهو عند محمد بن نصر ، لما بعد عن الصدق " .

وقال أبو ذر محمد بن محمد بن يوسف القاضى : "كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون : رجال خراسان أربعة : ابن المبارك ، ويحيى بن يحيى ، وإسحاق بن راهويه ، ومحمد بن نصر المروزي " .

وقال أبو بكر الصيرفي : "لو لم يصنف المروزي إلا "كتاب القسامة " لكان من أفقه الناس ، فكيف وقد صنف كتبا سواها " .

وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي : "صنف محمد هذا كتبا ضمنها الآثار ، والفقه ، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم فى الأحكام ، وصنف كتابا فيما خالف فيه أبو حنيفة عليا وعبد الله رضي الله عنهما " .

وقال ابن الأخرم : "انصرف محمد بن نصر من الرحلة الثانية ، سنة ستين ومائتين ، فاستوطن نيسابور ، ولم تزل تجارته بنيسابور ، أقام مع شريك له مضارب ، وهو يشتغل بالعلم والعبادة ، ثم خرج سنة خمس وسبعين إلى سمرقند ، فأقام بها وشريكه بنيسابور ، وكان وقت مقامه هو المفتى والمقدم ، بعد وفاة محمد ابن يحيى ، فإن حَيْكان يعنى : يحيى بن محمد بن يحيى ومن بعده ، أقروا له بالفضل والتقدم " .

قال ابن الأخرم : حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، سمعت محمد بن يحيى غير مرة ، إذا سئل عن مسألة يقول : "سلوا أبا عبد الله المروزي " .

قال ابن الأخرم : "ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر ، كان الذباب يقع على أذنه فيسيل الدم ، ولا يَذبُّه عن نفسه ، ولقد كنا نتعجب من حُسن صلاته ، وخشوعه ، وهيبته للصلاة ، كان يضع ذقنه على صدره ، فينتصب كأنه خشبة منصوبة ، وكان من أحسن الناس خَلْقا ،كأنما فُقِئ فى وجهه حب الرمان ، وعلى خديه كالورد ، ولحيته بيضاء " .

قال الشيرازي : "روي عنه أنه قال: كتبت الحديث بضعاً وعشرين سنة ، وسمعت أقوالا ومسائل، ولم يكن لي حسن رأي في الشافعي، فبينا أنا قاعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، إذ أغفيت إغفاءة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي أبي حنيفة؟ فقال: لا، فقلت: رأي مالك؟ قال: اكتب ما وافق حديثي، قلت: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان ، وقال: تقول رأي؟ ليس بالرأي؛ هو رد على من خالف سنتي؛ قال: فخرجت في اثر هذه الرؤيا إلى مصر ، فكتبت كتب الشافعي".

طبقات الفقهاء 106، طبقات الشافعية الكبرى2/246 ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/84 ، تاريخ بغداد 3/315 ، تذكرة الحفاظ 2/650 ، السير 14/33، الوافي بالوفيات 5/111 .

7- منصور بن إسماعيل أبو الحسن التميمي المصري الضرير .
فقيه مصر ، الشاعر .

قال ابن يونس : "كان فهما حاذقا ، صنف مختصرات في الفقه في مذهب الشافعي ، وكان شاعرا مجودا ، خبيث اللسان في الهجو ، وكان جنديا قبل أن يعمى "

قال القضاعى :"أصله من رأس عين وكان فقيها ، متصرفا فى كل علم ، شاعرا مجودا لم يكن فى زمانه مثله ".

قال الشيرازي : "كان أعمى، وأخذ الفقه عن أصحاب الشافعي ،وأصحاب أصحابه ، وله مصنفات في المذهب مليحة منها "الواجب" و"المستعمل" و"المسافر" و"الهداية "وغيرها من الكتب، وله شعر مليح وهو القائل:
عابَ التَفَقُّهَ قـومٌ لا عُـقـولَ لـهـم **** وما عليه إذا عـابـوه مـن ضَـرر
ما ضرَّ شمسَ الضحى والشمسُ طالعةٌ **** أن لا يرى ضوءها من ليس ذا بصر

مات سنة 306

طبقات الفقهاء 107 ، طبقات الشافعية الكبرى 3/478، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/103 ، طبقات العبادي 64 ، المنتظم 6/152 ، وفيات الأعيان 5/289 ، السير 14/238.

8- الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي البصري ، أبو عبد الله الزبيري .
الامام العلامة ، شيخ الشافعية ، أحد أصحاب الوجوه .

صاحب "الكافي "و"المسكت" ، وغيرهما .

كان إماما ، حافظا للمذهب ، عارفا بالأدب ، خبيرا بالأنساب ، وكان أعمى ، وكان يسكن البصرة .

قال الشيرازي : " وكان أعمى، وله مصنفات كثيرة مليحة ، منها : "الكافي" وكتاب "النية" وكتاب "ستر العورة" ، وكتاب "الهدية" وكتاب "الاستشارة والاستخارة" ، وكتاب "رياضة المتعلم" وكتاب "الإمارة ".

مات سنة 317

طبقات الفقهاء 107، طبقات الشافعية الكبرى 3/295،طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/93، وفيات الأعيان 2/313 ، السير 15/57

9- محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو بكر النيسابوري .
الامام المجتهد ، شيخ الاسلام ،أحد الأئمة الأعلام .

كان اماما مجتهدا ، حافظا ، بارعا ، عابدا ، ورعا .

له تصانيف مفيدة تدلّ على تَبَحُّره في العلم منها : "كتاب الأوسط " و " الإشراف " و "الإجماع" و " التفسير" و " السنن والإجماع والاختلاف "و كتاب " المبسوط " .

قال الشيرازي : " وصنف في اختلاف العلماء كتباً لم يصنف أحد مثلها، واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف " .

قال النووي : " له من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه فيه أحد، وهو في نهاية من التمكن من معرفة الحديث، وله اختيار فلا يتقيد في الاختيار بمذهب بعينه، بل يدور مع ظهور الدليل ".

قال الذهبي : " كان على نهاية من معرفة الحديث والاختلاف وكان مجتهدا لا يقلد أحدا " .

قال الشيرازي : " مات بمكة سنة تسع أو عشر وثلاثمائة".
قلت : وتعقبه الحافظ الذهبي فقال : "قال هذا على التوهم ، وأرخ الإمام أبو الحسن بن قطان الفاسي وفاته في سنة ثماني عشرة".

طبقات الفقهاء 108 ،طبقات الشافعية الكبرى 3/102، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/98 ، طبقات العبادي 67 ، وفيات الأعيان 4/207 ، تذكرة الحفاظ 3/782 ، السير 14/490 ، الوافي بالوفيات 1/336 .

10- أحمد بن عمر ابن سريج القاضي أبو العباس البغدادي .
الامام ، شيخ الاسلام ، صاحب المصنفات .

قال السبكي : " الباز الأشهب ، والأسد الضاري على خصوم المذهب ؛ شيخ المذهب وحامل لوائه ، والبدر المشرق فى سمائه ، والغيث المغدق بروائه ؛ ليس من الأصحاب إلا من هو حائم على معينه ، هائم من جوهر بحره بثمينه ؛ انتهت إليه الرحلة فضربت الإبل نحوه آباطها ، وعلقت به العزائم مناطها ، وأتته أفواج الطلبة لا تعرف إلا نمارق البيد بساطها " .

قال الشيرازي : " وكان من عظماء الشافعيين وأئمة المسلمين ، وكان يقال له الباز الأشهب، وولي القضاء بشيراز ، وكان يُفَضَّلُ على جميع أصحاب الشافعي ، حتى على المزني.

وسمعت شيخنا أبا الحسن الشيرجي الفرضي صاحب أبي الحسين ابن اللبان الفرضي يقول: إن فهرست كتب أبي العباس يشتمل على أربعمائة مصنف.

وقام بنصرة هذا المذهب ، ورد على المخالفين ، وفرع على كتب محمد بن الحسن.

وكان الشيخ أبو حامد الإسفراييني يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون الدقائق.

وأخذ العلم عن أبي القاسم الأنماطي، وأخذ عنه فقهاء الإسلام ، وعنه انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق ، وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود، وَحُكِيَ أنه قال له أبو بكر يوماً: أبلعني ريقي، فقال له أبو العباس: أبعلتك دجلة ؛ وقال له يوماً: أمهلني ساعة، فقال: أمهلتك من الساعة إلى أن تقوم الساعة؛ وقال له يوماً: أكلمك من الرجل وتجيبني من الرأس؟ فقال له أبو العباس: هكذا البقر ، إذا حَفِيتْ أظلافُها دُهنت قرونها " .

قال أبو حفص المطوعى : "ابن سريج سيد طبقته ، بإطباق الفقهاء ، وأجمعهم للمحاسن باجتماع العلماء ؛ ثم هو الصدر الكبير ، والشافعى الصغير ؛ والإمام المطلق ، والسباق الذى لا يلحق ؛ وأول من فتح باب النظر ، وعلم الناس طريق الجدل " .

وقد عَدُّوه مجدد القرن الثالث .

مات ببغداد سنة 306 .

طبقات الفقهاء 108، طبقات الشافعية الكبرى 3/21، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/89 ، طبقات العبادي 62 ، تاريخ بغداد 4/287 ، وفيات الأعيان 1/66، تذكرة الحفاظ 3/811 ، السير 14/201 ، الوافي بالوفيات 7/260 .

11- محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى - وقيل موسى بن عبد الرحمن - أبو عبد الله البُوشَنْجِيّ العَبدي .
الإمام ، العلامة ، الحافظ المتفنن ، شيخ أهل الحديث فى زمانه بنيسابور ، وكان إماما فى اللغة وكلام العرب.

قال السبكي : "كان البوشنجى من أجل الأئمة ، وله ترجمة طويلة عريضة ، ذات فوائد فى "تاريخ الحاكم" ".

قال ابن حمدان : سمعت ابن خزيمة يقول : "لو لم يكن في أبي عبد الله من البخل بالعلم ما كان ، ما خرجت إلى مصر " .

قال أبو عبد الله الحاكم : سمعت أبا بكر بن جعفر يقول :سمعت أبا عبد الله البُوشَنجى يقول للمستملى : " الزم لفظي ، وَخَلاكَ ذمّ " .

وقال أبو عبد الله بن الأخرم : سمعت أبا عبد الله البوشنجى غير مرة يقول : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، وذكره بملء الفم .

وقال دَعْلَج : حدثني فقيهٌ أن أبا عبد الله حضر مجلس داود الظاهرى ببغداد ، فقال داود لأصحابه : "حضركم من يفيد ولا يستفيد " .
وكان أبو عبد الله البوشنجي قويَ النفس ، أشار يوما إلى ابن خزيمة ، فقال : "محمد ابن إسحاق كيس ، وأنا لا أقول هذا لأبى ثور " .
ولما توفي الحسين بن محمد القبانى ، قُدِمَ أبو عبد الله للصلاة عليه ، فصلى ، ولما أراد أن ينصرف ، قدمت دابَّتُه ، وأخذ أبو عمرو الخفاف بلجامه ، وأبو بكر محمد بن إسحاق بركابه ، وأبو بكر الجارودي وإبراهيم بن أبى طالب يسويان عليه ثيابه ، فمضى ولم يكلم واحدا منهم " .
قال السبكي عقب هذه الرواية : "وفى لفظ : ولم يمنع واحدا منهم " ، والمعنى هنا واحد فإن مراد من قال ولم يكلم : أنه لم يمنع" .

وقال ابن خزيمة ، وقد سئل عن مسألة بعد أن شيع جنازة أبى عبد الله : "لا أفتي حتى نواريه لحده " .

وكان البوشنجي جوادا سخيا ، وكان يقدم لسنانيره ، من كل طعام يأكله ، وبات ليلة ، ثم ذكر السنانير بعد فراغ طعامه ، فطبخ فى الليل من ذلك الطعام وأطعمهم .

قيل مات أبو عبد الله البوشنجى فى غرة المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين
وقيل بل سلخ ذى الحجة سنة تسعين ودفن من الغد وهو الأشبه عندى

وصلى عليه إمام الأئمة ابن خزيمة

وكان مولده سنة أربع ومائتين

طبقات الشافعية للسبكي 2/189، طبقات الحنابلة 1/264، المنتظم 6/48 ، تذكرة الحفاظ 2/657 ، السير 13/581 ، الوافي بالوفيات 1/342 ، تهذيب التهذيب 9/8 .

12- محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبه ، أبو عبد الله الجعفي مولاهم البخاري
إمام المسلمين ، وقدوة الموحدين ، وشيخ المؤمنين ، والمعول عليه فى أحاديث سيد المرسلين ، وحافظ نظام الدين ، صاحب الجامع الصحيح ، وساحب ذيل الفضل للمستميح .
علا عن المدح حتى ما يزان به *** كأنما المدح من مقداره يضع
له الكتاب الذى يتلو الكتاب هدى *** هذي السيادة طودا ليس ينصدع
الجامع المانع الدين القويم وسنة *** الشريعة أن تغتالها البدع
قاصي المراتب داني الفضل تحسبه *** كالشمس يبدو سناها حين ترتفع

ولد البخارى سنة 194 ، ونشأ يتيما .
وأول سماعه سنة 205 ، وحفظ تصانيف ابن المبارك ، وَحُبب إليه العلم من الصغر ، وأعانه عليه ذكاؤه المفرط .
ورحل سنة 210 بعد أن سمع الكثير ببلده ، من محمد بن سلام البيكندى ، ومحمد بن يوسف البيكندى ، وعبد الله بن محمد المسندى ، وهارون ابن الأشعث ، وطائفة .
وسمع ببلخ : من مكي بن إبراهيم ، ويحيى بن بشر الزاهد ، وقتيبة ، وجماعة .
وبمرو : من علي بن الحسن بن شقيق ، وعبدان ، وجماعة
وبنيسابور : من يحيى بن يحيى ، وبشر بن الحكم ، وإسحاق ، وعدة .
وبالري : من إبراهيم بن موسى الحافظ ، وغيره .
وببغداد : من شريح بن النعمان ، وعفان ، وطائفة .
وبالبصرة : من أبي عاصم النبيل ، وبدل بن المحبر ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وغيرهم .
وبالكوفة : من أبي نعيم ، وطلق بن غنام ، والحسن بن عطية ، وخلاد بن يحيى ، وقبيصة ، وغيرهم .
وبمكة : من الحميدي ، وعليه تفقه عن الشافعي .
وبالمدينة : من عبد العزيز الأويسي ، ومطرف بن عبد الله .
وبواسط ، ومصر ، ودمشق ، وقيسارية ، وعسقلان ، وحمص ، من خلائق يطول سردهم ، ذكر أنه سمع من ألف نفس وقد خرج عنهم مشيخة وحدث بها .

ذكر أبو عاصم العبادي أبا عبد الله فى كتابه "الطبقات" وقال : "سمع من الزعفراني ، وأبي ثور ، والكرابيسي " .

وقال محمد بن أبى حاتم وراق البخاري: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان : "كان البخاري يختلف معنا إلى السماع ، وهو غلام ، فلا يكتب ، حتى أتى على ذلك أياما ، فكنا نقول له ، فقال : إنكما قد أكثرتما علي ، فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا ، فزاد على خمسة عشر ألف حديث ، فقرأها كلها على ظهر قلب ، حتى جعلنا نُحكم كتبنا من حفظه ، ثم قال : أترون أني اختلف هدرا ، وأضيع أيامي ، فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد .
قالا :فكان أهل المعرفة يَعدُون خلفه فى طلب الحديث ، وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ، ويُجلسوه فى بعض الطريق ، فيجتمع عليه ألوف ، أكثرهم ممن يُكتب عنه ، وكان شابا لم يخرج وجهه " .

قال محمد بن أبى حاتم ، وسمعت سليم بن مجاهد يقول : "كنت عند محمد بن سلام البيكندى ، فقال لى : لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث .
قال : فخرجت فى طلبه فلقيته ، فقلت أنت الذي تقول : أنا أحفظ سبعين ألف حديث ، قال : نعم ، وأكثر ، ولا أجيئك بحديث عن الصحابة أو التابعين ، إلا عرفت مولد أكثرهم ، ووفاتهم ، ومساكنهم ، ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي فى ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وقال ابن عدى : حدثنى محمد بن أحمد القومسى ، سمعت محمد بن خميرويه يقول : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : "أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح " .

وقال إمام الأئمة ابن خزيمة : "ما رأيت تحت أديم السماء ، أعلم بالحديث من محمد ابن إسماعيل البخاري" .

قال الترمذي : "لم أر أحدا بالعراق ، ولا بخراسان ، فى معنى العلل ، والتاريخ ، ومعرفة الأسانيد ، أعلم من محمد بن إسماعيل " .

وقال إسحاق بن أحمد الفارسى : سمعت أبا حاتم يقول سنة سبع وأربعين ومائتين: " محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق ، ومحمد بن يحيى أعلم من بخراسان اليوم ، ومحمد بن أسلم أورعهم ، وعبد الله الدارمي أثبتهم " .

وقال الامام أحمد : " انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان : أبو زرعة ، ومحمد بن إسماعيل ، والدارمي ، والحسن بن شجاع البلخي " .

وقال أبو أحمد الحاكم : "كان البخاري أحد الأئمة ، فى معرفة الحديث ، وجمعه ، ولو قلت : إني لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه فى المبالغة والحسن ، لرجوت أن أكون صادقا " .

قلت : ومناقب هذا الامام فوق الحصر رحمه الله ، وبلغنا درجته .

طبقات الشافعية الكبرى 2/212 ، طبقات الحنابلة 1/270 ، تاريخ بغداد 2/4-33 ، وفيات الأعيان 4/188 تذكرة الحفاظ 2/555 ، السير 12/391 ، الوافي بالوفيات 2/206 ، تهذيب التهذيب 9/47 ، مقدمة فتح الباري ، وصنفت في ترجمته مصنفات عديدة .

13- محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الغطفاني ، الحنظلي ، أبو حاتم الرازي .
الإمام الحافظ، الناقد ، شيخ المحدثين ، أحد الأئمة الأعلام .
كان من بحور العلم .

ولد سنة خمس وتسعين ومائة

سمع عبيد الله بن موسى ، وأبا نعيم ، وطبقتهما بالكوفة .
ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، والأصمعي ، وطبقتهما بالبصرة .
وعفان ، وهوذة بن خليفة ، وطبقتهما ببغداد .
وأبا مسهر ، وأبا الجماهر محمد بن عثمان ، وطبقتهما بدمشق .
وأبا اليمان ، ويحيى الوحاظي ، وطبقتهما بحمص .
وسعيد بن أبى مريم ، وطبقته بمصر .
وخلقا بالنواحي والثغور .
وتردد فى الرحلة زمانا .

قال ابنه : سمعت أبي يقول : أول سنة خرجت فى طلب الحديث ، أقمت سبع سنين ، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ، ثم تركت العدد بعد ذلك ، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا ، ثم إلى الرملة ماشيا ، ثم إلى دمشق ، ثم إلى أنطاكية ، ثم إلى طرسوس ، ثم رجعت إلى حمص ، ثم منها إلى الرقة ، ثم ركبت إلى العراق ، كل هذا وأنا ابن عشرين سنة ".

قال عبد الرحمن بن أبى حاتم:قال لي موسى بن إسحاق القاضي:"ما رأيت أحفظ من والدك ".

وقال أحمد بن سلمة الحافظ : "ما رأيت بعد إسحاق بن راهويه ، ومحمد بن يحيى ، أحفظ للحديث من أبي حاتم ، ولا أعلم بمعانيه " .

وقال ابن أبي حاتم : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : أبو زرعة ، وأبو حاتم : إماما خراسان بقاؤهما صلاح للمسلمين " .

وقال ابن أبى حاتم : سمعت أبى يقول : " قلت على باب أبي الوليد الطيالسي : مَنْ أَغربَ عليّ حديثا صحيحا فله درهم ، وكان ثم خلق ، أبو زرعة فمن دونه ، وإنما كان مرادي : أن يُلقى عليّ ما لم أسمع به ، فيقولون هو عند فلان ، فأذهب وأسمعه ، فلم يتهيأ لأحد أن يغرب عليّ حديثا " .

وسمعت أبي يقول : "كان محمد بن يزيد الأسفاطي قد وُلِع بالتفسير ، وبحفظه ، فقال يوما : ما تحفظون فى قوله تعالى ( فنقبوا فى البلاد ) فسكتوا ، فقلت : حدثنا أبو صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : ضربوا فى البلاد " .

وسمعت أبي يقول : قدم محمد بن يحيى النيسابوري الريّ ، فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا ، من حديث الزهري ، فلم يعرف منها إلا ثلاثة أحاديث " .

قال الذهبي رحمه الله : "إنما ألقى عليه من حديث الزهري ، لأن محمدا كان إليه المنتهى فى معرفة حديث الزهري ، قد جمعه وصنفه وتتبعه حتى كان يقال له : الزهري " .

قال : وسمعت أبي يقول : "بقيت بالبصرة سنة أربع عشرة : ثمانية أشهر ، فجعلت أبيعُ ثيابي ، حتى نفدت ، فمضيت مع صديق لي أَدُوُرُ على الشيوخ ، فانصرف رفيقى بالعشى ، ورجعت فجعلت أشرب الماء من الجوع ، ثم أصبحت ، فغدا عليّ رفيقي ، فطفت معه ، على جوع شديد ، وانصرفت جائعا ، فلما كان من الغد ، غدا عليّ ، فقلت : أنا ضعيف ، لا يمكنني .
قال : ما بك ؟
قلت : لا أكتمك ، مضى يومان ما طَعِمت فيهما شيئا .
فقال : قد بقي معي دينار ، فنصفه لك ، ونجعل النصف الآخر فى الكراء ، فخرجنا من البصرة ، وأخذت منه نصف الدينار " .

سمعت أبي يقول : خرجنا من المدينة ، من عند داود الجعفرى ، وصرنا إلى الجار ، فركبنا البحر ، فكانت الريح فى وجوهنا ، فبقينا فى البحر ثلاثة أشهر ، وضاقت صُدُورُنا وفَنيّ ما كان معنا ، وخرجنا إلى البر نمشي أياما ، حتى فني ما تبقى معنا من الزاد والماء ، فمشينا يوما ، لم نأكل ، ولم نشرب ، واليوم الثاني ، كَمِثْلِه ، واليوم الثالث ، فلما كان المساء ، صلينا وألقينا بأنفسنا ، فلما أصبحنا فى اليوم الثالث ، جعلنا نمشي على قدر طاقتنا ، وكنا ثلاثة : أنا ، وشيخ نيسابوري ، وأبو زهير المروروذى ، فسقط الشيخ مغشيا عليه ، فجئنا نُحَرِّكه ، وهو لا يعقل ، فتركناه ، ومشينا قدر فرسخ ، فَضَعُفتُ وَسَقَطتُ مغشيا عليّ ، ومضى صاحبي يمشي ، فرأى من بعيد قوما قربوا سفينتهم من البر ، ونزلوا على بئر موسى ، فلما عاينهم لَوّحَ بثوبه إليهم ، فجاءوه ومعهم ماء فسقوه ، وأخذوا بيده ، فقال لهم : الحقوا رفيقين لي ، فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهي ، ففتحت عيني ، فقلت : اسقني ، فَصَبَّ من الماء فى مشربته قليلا ، فشربت ، ورجعت إليّ نفسي ، ثم سقاني قليلا ، وأخذ بيدي ، فقلت :
ورائي شيخ مُلقى ، فذهب جماعة إليه ، وأخذ بيدي ، وأنا أمشي ، وَأَجُرُّ رِجْلَىّ ، حتى إذا بلغت عند سفينتهم ، وأتوا بالشيخ وأحسنوا إلينا ، فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا ، ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال : لها راية ، إلى واليهم وزودونا ، من الكعك والسويق والماء ، فلم نزل نمشي ، حتى نفد ما كان معنا ، من الماء والقوت ، فجعلنا نمشي جياعا على شط البحر حتى دفعنا إلى سلحفاة ، مثل الترس ، فعمدنا إلى حجر كبير فضربنا على ظهرها ، فانفلق ، فإذا فيه مثل صُفرة البيض ، فحسيناه حتى سكن عنا الجوع ، حتى وصلنا إلى مدينة الراية ، وأوصلنا الكتاب إلى عاملها ، فأنزلنا فى داره ، فكان يقدم إلينا كل يوم القرع ، ويقول لخادمة هاتي لهم اليقطين المبارك ، فيقدمه مع الخبز أياما ، فقال واحد منا : ألا تدعو باللحم المشئوم ، فسمع صاحب الدار فقال : أنا أحسن بالفارسية ، فإن جدتى كانت هروية ، وأتانا بعد ذلك باللحم ثم زودنا إلى مصر " .

سمعت أبى يقول : "لا أحضر كم مرة سرت من الكوفة إلى بغداد " .

قلت : وتراجم هذه الامام فوق الحصر ، رحمه الله .

طبقات الشافعية الكبرى 2/207 ، الجرح والتعديل: 1 / 349 - 375، و 7 / 204، تاريخ بغداد: 2 / 73 - 77، طبقات الحنابلة: 1 / 284 – 286 ،تذكرة الحفاظ 2/567 ، السير 13/247 ، الوافي بالوفيات 2/183 ، تهذيب التهذيب 9/31-34 .

14- أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني .
الإمام الجليل ،الحافظ ، أبو عبد الرحمن النسائي .
مصنف السنن وغيرها من التصانيف وأحد الأئمة الأعلام

ولد بنسا في سنة 215
سمع الكثير ، وأخذ عن يونس بن عبد الأعلى ، وكان أفقه مشايخ مصر ، وأعلمهم بالحديث ، وكان كثير التهجد ، والعبادة ، يصوم يوما ، ويفطر يوما .

قال الدارقطني : "أبو عبد الرحمن مقدم على من يذكر بهذا العلم من أهل عصره " .

قال الحاكم:"كلام النسائي على فقه الحديث كثير،ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه".

قال ابن الاثير في أول " جامع الاصول ": "كان شافعيا، له مناسك على مذهب الشافعي، وكان ورعا متحريا " .

قال الحافظ أبو علي النيسابوري: " أخبرنا الامام في الحديث بلا مدافعة ، أبو عبد الرحمن النسائي ".

وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: "من يصبر على ما يصبر عليه النسائي ؟ عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة يعنى عن قتيبة، عن ابن لهيعة قال: فما حدث بها " .

قال أبو الحسن الدارقطني : "أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره ".

قال الحافظ ابن طاهر: "سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي، فقال: يا بني ! إن لأبي عبدالرحمن شرطا في الرجال ، أشد من شرط البخاري ومسلم ".

قال الذهبي معقبا على هذه الرواية في "السير" : "صدق، فإنه لَيَّنَ جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم ".

قال محمد بن المظفر الحافظ: " سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر، فوصفَ مِن شهامته ، وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه، والانبساط في المأكل، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج ".

قال القاضي تاج الدين السبكي : "سألت شيخنا الذهبي أيهما أحفظ مسلم ابن الحجاج أو النسائي ؟ فقال : النسائي ، ثم ذكرت ذلك لوالدي ، فوافق عليه " .

توفي بفلسطين في صفر ، وقيل في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة عقب محنة حصلت له .

طبقات العبادي 51 ، طبقات الشافعية الكبرى 3/14 ، طبقات الشافعية ابن قاضي شهبة 1/88 ، المنتظم 6/132 ، وفيات الأعيان 1/77 ، تذكرة الحفاظ 2/698 ، السير 14/125 ، الوافي بالوفيات 6/416 ، تهذيب التهذيب 1/36

15- الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بت عطاء ، الشيباني ، النَّسَوِي أبو العباس الحافظ .
الامام الثبت ، مصنف المسند .
ولد سنة بضع وثمانين ومئتين ، وهو أسن من بلديه أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الذي تقدمت ترجمته ، ماتا معا في عام واحد .

تفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه ، وسمع من أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وخلق .

قال الحاكم : " كان محدث خراسان في عصره ، مقدما في الثبت ، والكثرة ، والفهم ، والفقه ، والأدب ،
روى عنه ابن حبان فأكثر ، وذكره في "الثقات"

وقال أبو حاتم بن حبان : "كان الحسن ممن رحل، وصنف، وحدث، على تيقظ مع صحة الديانة، والصلابة في السنة ".

وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الرازي : " ليس للحسن في الدنيا نظير ".

قال الحاكم: سمعت محمد بن داود بن سليمان يقول: "كنا عند الحسن بن سفيان، فدخل ابن خزيمة، وأبو عمرو الحيري، وأحمد بن علي الرازي، وهم متوجهون إلى فَراوة ، فقال الرازي : كتبت هذا الطبق من حديثك.
قال: هات.
فقرأ عليه، ثم أدخل إسنادا في إسناد، فرده الحسن، ثم بعد قليل فعل ذلك، فرده الحسن، فلما كان في الثالثة قال له الحسن : ما هذا ؟ ! قد احتملتك مرتين ، وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة.
فقال له ابن خزيمة: مه ! لا تؤذ الشيخ.
قال: إنما أردت أن تعلم أن أبا العباس يعرف حديثه.

قال أبو الوليد حسان بن محمد : "كان الحسن بن سفيان أديبا فقيها، أخذ الادب عن أصحاب النضر بن شميل، والفقه عن أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه ".

مات في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثمائة جاوز السبعين

طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/92 طبقات الشافعية الكبرى 3/263 ، المنتظم 6/132 ، تذكرة الحفاظ 2/703 ، السير 14/157 ، الوافي بالوفيات 12/32 .

16- محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ، أبو جعفر الطبري ، الآمُلي ، البغدادي .
الإمام العلم ، المجتهد ، صاحب التصانيف العظيمة ، والتفسير المشهور .

كان مولده سنة أربع وعشرين ومائتين ، وطلب العلم بعد الاربعين ومئتين، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علما، وذكاء، وكثرة تصانيف.
أخذ الفقه عن الزعفراني والربيع المرادي .

قال الحافظ الذهبي : " قَلَّ أن ترى العيون مثله ".

قال الخطيب سمعت علي بن عبد الله اللغوي يقول : " مكث ابن جرير أربعين سنة ، يكتب كل يوم أربعين ورقة "

وقال الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " : " محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب : كان أحد أئمة العلماء، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في " أخبار الامم وتاريخهم "، وله كتاب: " التفسير " لم يصنف مثله، وكتاب سماه: " تهذيب الآثار " لم أر سواه في معناه، لكن لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه.

قال الذهبي في " السير " : "كان ثقة، صادقا، حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه والاجماع والاختلاف، علّامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك ".

قيل : إن المكتفي أراد أن يحبس وقفا تجتمع عليه أقاويل العلماء، فأحضر له ابن جرير، فأملى عليهم كتابا لذلك، فأخرجت له جائزة، فامتنع من قبولها، فقيل له: لا بد من قضاء حاجة.
قال: أسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة، ففعل ذلك.

وكذا التمس منه الوزير أن يعمل له كتابا في الفقه، فألف له كتاب: " الخفيف "، فوجه إليه بألف دينار، فردها.

قال أبو العباس البكري : " جَمعتِ الرحلةُ بين ابن جرير، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ، ولم يبق عندهم ما يَقُوتُهم، وأَضرَّ بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزلٍ كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يَسْتَهِموا ويضربوا القُرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه .
فكانت القرعة على محمد بن اسحق بن خزيمة ، فقال : أمهلوني حتى أصلي صلاة الخيرة.
قال: فاندفع في الصلاة، فإذا هم بالشموع وخصيّ من قِبِلِ والي مصر يدق الباب، ففتحوا، فقال: أيكم محمد بن نصر ؟ فقيل: هو ذا.
فأخرج صرة فيها خمسون دينارا، فدفعها إليه، ثم قال: وأيكم محمد بن جرير ؟ فأعطاه خمسين دينارا، وكذلك للروياني، وابن خزيمة، ثم قال: إن الامير كان قَائِلا بالأمس، فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم: إذا نفدت، فابعثوا إليّ أحدكم .

قال أبو محمد الفرغاني ، حدثني هارون بن عبد العزيز قال : قال لي أبو جعفر الطبري : "أظهرت مذهب الشافعي ، واقتديت به ببغداد عشر سنين ، وتلقاه مني ابن بشار الأحول شيخ ابن سريج " .
قال الفرغاني فلما اتَّسَعَ ، أدَّاهُ بحثُه واجتهادُه إلى ما اختاره في كتبه .
ثم ذكر الفرغاني عند عَدِّ مصنفاته كتاب لطيف "القول في أحكام شرائع الإسلام " وهو مذهبه الذي اختاره ، وَجَوَّده ، واحتج له وهو : ثلاثة وثمانون كتابا .

قلت : ومناقب هذا الامام فوق حد الحصر رحمه الله

توفي في شوال سنة عشر وثلاثمائة عن ست وثمانين .

طبقات القهاء للشيرازي 93 ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/100 طبقات الشافعي الكبرى 3/120 ، المنتظم 6/170 ، وفيات الأعيان 4/191 ، تذكرة الحفاظ 2/710 ، السير 14/276 ، الوافي بالوفيات 2/284 .

17- محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة الثَّقَفِي ، مولاهم الدمشقي ، أبو زرعة
الامام الكبير .
قاضي دمشق ، وكان قبل ذلك على قضاء مصر لأحمد بن طولون مدة ثمان سنين .

ذكره ابن زولاق في "تاريخ قضاة مصر" قال : "وكان يذهب إلى قول الشافعي ويوالي عليه ، ويصانع ، وكان يهب لمن يحفظ مختصر المزني مائة دينار ، وهو الذي أدخل مذهب الشافعي دمشق ، وحكم به القضاة ، وكان الغالب عليها مذهب الأوزاعي ، وكان أكولا ، يأكل سل مشمش ، ويأكل سل تين " .
توفي سنة اثنتين وثلاثمائة .

طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/101، طبقات الشافعية الكبرى 3/196، السير 14/231 ، الوافي بالوفيات 4/82 ، النجوم الزاهرة 3/183 ، قضاة دمشق لابن طولون 22 .

No comments:

Post a Comment